Top Ad

الخميس، 24 أكتوبر 2024

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

علمنا الدكتور عبد الفتاح فهدي، رحمه الله/7

                 7- معنى الأخوة والمحبة والألفة والمودة.

 

لقد أبدع الفيلسوف الألماني "إيمانويل كانط" عندما اعتبر العقل أداة التفكير الفلسفي، ولكن الفلسفة لم تدرسه ولم تتساءل عن ماهيته وإمكانياته وحدود تفكيره، مما يجعل كل الأنساق الفلسفية العقلانية ونتائجها موضع التساؤل. وقياسا على هذا الخطاب الفلسفي الذي كرس الدكتور فهدي – رحمه الله – حياته في تدريسه والبحث فيه، يمكن أن نعتبر الإنسان أداة العمل الجمعوي وعموده الفقري، وسيلة وغاية وأهدافا، ولكن ما هو هذا الإنسان؟، لماذا ينجح في بعض الجمعيات والمؤسسات، وفرة وعملا.. فريقا وانسجاما، ولماذا يفشل في غيرها؟.

 

ما الذي يميز الإنسان - أداة العمل وغايته - وبالأساس في فضاء الفتح للتربية والتنمية؟، على ماذا يجتمعون ولماذا؟، بماذا يتميزون إيجابا وسلبا؟، ماذا يعلمون وكيف يعملون؟. ما يجمع بينهم فوق بروتوكولات العمل والاجتماعات؟. كثير ما تربينا عليه في الفضاء على يد الدكتور - رحمه الله – وأكثر منه، ما استشفيناه منه ومن إخوانه جزاهم الله خيرا، دروسا تربوية.. سلوكات ومعاملات.. قيم ومعايير.. أحداث ومواقف..، وكلها بمثابة أبجديات ضرورية في التعامل الإنساني أولا، وفي العمل المدني والعيش المشترك بشكل عام، وعلى رأس ذلك:  

 

1-  قاعدة: ما كان لله دام واتصل.. وما كان لغيره انقطع وانفصل: " وأن إلى ربك المنتهى ".. آية كان يرددها المرحوم كثيرا، بل وحاضر فيها في سلسلات تربوية ثقافية غير ما مرة، وهي آية توجه الجهد وتحرر القصد لله تعالى.. لا للذوات والرغبات أو حتى الهيئات.  

2-  قاعدة: الاجتهاد في تحري الصواب: ويقصد به الصواب التشريعي القانوني.. الهيكلي التأطيري.. الشوري التداولي.. الدعوي الحركي.. التعاوني التشاركي.. التطويري التجديدي.. وفي كل شيء قانوني ويخدم المصلحة العامة وأهداف الجمعية.

3-  قاعدة: الأخوة والمحبة والألفة والمودة: لأن الإخوان في عملهم يحتكون، والاحتكاك من طبعه أن يترك أثرا حسنة جامعة مبشرة أو سيئة مفرقة ومنفرة، وسبيل التغلب على ذلك كله سلامة الصدر وحسن النية، ومناقشة الأعمال في صوابها وخطئها لا الذوات، والمناقشة قصد التصويب والتدارك لا بقصد التجريح والتحطيم المجاني. والأهم من ذلك نحافظ على أخوتنا قبل الأعمال وبعدها، ناجحة كانت أو غير ذلك فلنا شرف الأخوة والسعي قبل كل شيء.

 

        1- الأخوة والمحبة: والأخوة رابطةٌ موثقة، تجمع بين طرفين أو أكثر، تتصف بالدوام والملازمة، وتنشأ بسبب النسب أو الرضاع، أو الدِّين والدين أدوم وأقوى، أو الاشتراك في القبيلة أو الوطن، أو المقاصد والأعمال، ونحو ذلك من الأسباب كالأخوة الإسلامية التي هي رابطة شرعية ربانية، وثيقة دائمة، تجمع بين كل مسلم وجميع المسلمين في كل العالم، يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويتعاونون على أعمال الخير والبر والطاعات: "إنما المؤمنون إخوة".. يتعاونون بينهم على البر والتقوى.. "رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا " الفتح/29. والمحبة: وهي عاطفة إنسانية تكون في الله وتقوم على الميل إلى المحبوب والبذل والتضحية والتعاون والإيثار والنصرة والمؤازرة من أجله، لا لعرض ولا لغرض إنما لما يتصف به من حسن الخلق: "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا" آل عمران/103.

 

        2- الألفة والمودة: والألفة يقال هي كل ما يؤدي إلى الجمع بين المتآلفين وحب وأنس بعضهم ببعض، والقرب والوصل الذي يؤدي إلى الميل بينهم دون تكلف ولا مشقة، وهي ضد التكلف والنفرة والفرقة والوحشة والخلاف والتنازع والحيطة، إنها الاجتماع والالتئام مع المحبة، وقيل اتفاق الآراء في التعاون على تدبير الأمور بكل سلاسة ودون تكلف حتى قيل: "آلف من حمام مكة". وبهذا فالألفة سبب محبة الله وقوة الجماعة، داعية إلى تماسك الأمة وترابطها وقوتها، سبب الطمأنينة والتناصر والتآزر بين المتآزرين..، وكلها من خصال المؤمن كما في الحديث: " المؤمن إلف مألوف ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف" أخرجه الحاكم. والمودة: وهي أقوى من المحبة تكون قبلها وتبقى بعدها، رديفة الرحمة والسكينة والطمأنينة والانجذاب والتقدير والشعور بالاستقرار والحماية والأمن: قال تعالى" خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " الروم/ 21.



         خصال أصل لها الدين الحنيف عبر العديد من الآداب والأخلاق الإسلامية الرفيعة، يجتهد الإخوان في التمسك قدر المستطاع بالمتاح لهم منها ك" المسلم أخو المسلم..".. " حق المسلم على المسلم..".. " المسلم من سلم المسلمون..".. " من لم يهتم بأمر المسلمين".. "من حسن إسلام المرء".. "ذاق حلاوة الإيمان".. "وجبت محبتي..".. " على منابر من نور رجال".. " ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم..".. " سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله".. " بادروا بالأعمال سبعا.."..، ولأن الأعمال لا تنجز بحسن الأخوة وحدها، فقد هرع الإخوان في الجمعية إلى تملك ما يلزم من مهارات مدنية جمعوية أساسية عبر التكوين والتكوين المتخصص والتكوين المستمر الذاتي منه والمؤسساتي.

 

         ومن ذلك ما تدربوا عليه من مهارات التخطيط والبرمجة.. الإدارة والمالية.. تنظيم الاجتماعات.. بالإضافة إلى المهارات الوظيفة في مجالات محو الأمية والتنشيط التربوي والثقافي.. وضع المشاريع وتدبير الشراكات.. مجال تكوين مؤطري المخيمات الصيفية للطفولة والشباب، هذا المجال الذي استطعنا بفضله وبشراكة مع وزارة الشباب أن ننظم وعبر كل ربوع الوطن مخيمات صيفية ناجحة وعلى أزيد من ربع قرن من الزمن، لا زالت كل الشواطئ والغابات تتغنى بروعتها في الإبداع والامتاع في التربية على القيم الأخلاقية والتربية على المواطنة والسلوك المدني.

 

           أحببنا كل العاملين في الفضاء دون نرجسية، وكل الفاعلين المدنيين دون طائفية، ننفتح ونتعاون مع كل دوي الاهتمام المشترك، أفرادا وهيئات، إيمانا منا أن الوطن يستوعب ويسع الجميع، وجهود التنمية والإصلاح تحتاج إلى مبادرات ومساهمات الجميع، ولا مجال للإقصاء والتهميش، فالقوة أمام حجم الطلب ضعف، والضعف إلى الضعف في المشاركة قوة. هذا ما تؤكده مبادرات جمعيات المجتمع المدني في أعالي الأعالي وأقاصي الأقاصي، ولا زالت باستمرارها وتزايدها تنادي على الدوام أن لا مجال لليأس والتذمر، لا مجال للخوف والتردد، لا مجال للانتظارية والتشكي، لا مجال إلا للعمل والأمل.

 

           ذلكم هو الفضاء، ما يقصده قاصد صغيرا كان أو كبيرا، إلا وهو يستفيد في تربيته وينمي من ثقافته ويستزيد من أخلاقه الحسنة وأصدقائه الطيبين، قبل أن يرى ما يمكن أن يساهم به في سيره ونشاطه ومن أي موقع من مواقعه وبأية مهارة من مهاراته. وطبعا قد تختلف داخله وجهات النظر في موضوع ما، وتحتد النقاشات، لكن أبدا ما رأيت طموحا أو نزوعا نحو الزعامات وقد بقيت دائما بالاختيارات. ولا رأيت نفورا نفسيا وهجرانا أدى بأحدهم إلى تجميد عضويته أو تقديم استقالته أو تأسيس فضاء آخر لا يعدوا أن يكون غير فضاء الضرار والضيق الشوري. وغاية ما قد حدث أن بعض الإخوان – رغبة منهم – قد أضافوا إلى انخراطهم في الفضاء انخراطهم في هيئة أو هيئات أخرى مدنية اجتماعية أو سياسية، ولعل فرش الفضاء التربوي والأخوي قد كفل لهم هذا الحق، كما كفل للفضاء قبلهم وحدته وعطائه وامتداده في زمن العقم والفقر والانشطار والنقصان بدل الزيادة والهشاشة بدل الريادة؟.


                                                                                                    الحبيب عكي 


اقرء المزيد

الثلاثاء، 15 أكتوبر 2024

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

علمنا الدكتور عبد الفتاح فهدي، رحمه الله/6

6- رفض الشطط في استعمال السلطة.


لا ندري إلى متى ولصالح من تستمر هذه الوضعية الغريبة والمتناقضة للعمل الجمعوي في المغرب، بين الخطاب الرسمي الدستوري القانوني المرحب به والداعي إليه والمشجع عليه كفاعل مدني وشريك تنموي ومتطوع خدماتي ومبادر ترافعي في كل المجالات ولصالح  كل الفئات، وبين الممارسات الميدانية لبعض السلطات التي لازالت – مع الأسف – تتوجس منه وتضيق عليه بما اعتادته ضده وضد فاعليه من شططها في استعمال السلطة وغطرستها في هضم الحقوق، ضاربة بعرض الحائط كل مصداقية المؤسسات وقانونيتها والمطلوب منها من حكامة تفاوضية جيدة وحسن ارتفاق المواطن وإيفائه حقه الدستوري في الممارسة الجمعوية والعدالة الإدارية والديمقراطية التشاركية.

 

مظاهر الشطط في الواقع الجمعوي متعددة، تنهجها بعض السلطات ضد بعض الجمعيات القانونية (حساسيات ومرجعيات) في بعض المناطق أو بعض المناسبات، لتمنع أو توقف بعض برامجها وأنشطتها أو فقط تعرقلها وتشوش عليها وعلى أصحابها، فقط بتوجس مجاني أو مزاج فاسد وتصفية حسابات وهمية عبر خرطوشات من الشطط الصارخ أو الصامت من قبيل: فرض الترخيص على أنشطة الجمعية بدل مجرد الإشعار، وعدم الترخيص لها رغم وضع الطلب،  عدم منح وصولات الإيداع عند التأسيس أو حتى مجرد التجديد ولو لنفس أعضاء المكتب السابق، الحرمان من استعمال القاعات العمومية، منعها من المنح والشراكات خاصة ما كان منها من بعض القطاعات الحكومية، عدم تبرير أي منع لا كتابيا ولا حتى شفويا؟، والغريب أن وضع الشطط هذا يبقى عاما ومقلقا لا تجدي فيه سلطة خاصة ولا سلم إداري، مما يجعل الفاعلين المدنيين أحيانا، هم أكبر ضحايا الشطط والإذلال والمهانة؟. لأنهم صدقوا نداءات التضحية والمواطنة، وبعض رجال السلطة يوزعون صكوكها على فلان دون علان؟.

 

ومما علمنا الدكتور عبد الفتاح فهدي، رحمه الله، وإخوانه، بل مارسوه معنا في هذا الفضاء الرائد وفي غير ما مرة وغير ما فرع، هو: "ألا نخاف ولا نطمع ولا نستسلم أمام إرادة شطط أو تعليمات تعسف غير قانوني وليكن ممن كان"؟. أولا، لأنه شطط غير قانوني. ثانيا، لأنه طعن في مصداقية الإدارة ودورها المحايد. ثالثا، لأنه ضرب مفضوح في المصلحة العامة للبلاد والعباد وقضاء أغراضهم. رابعا، لأنه ضرر بالعمل الجمعوي وهو حق مشروع وليس منا ولا صدقة. خامسا، لأنه شيء غير معمم على جميع الجمعيات ولا في جميع المناطق، فخلال الحملة الانتخابية وخلال الحجر الصحي لوباء "كورونا" مثلا، كانت تمنع جمعيات من تدخلاتها وخدماتها الاجتماعية من طرف السلطة بداعي الطوارىء، في حين أن جمعيات أخريات توزعها حتى في أعلى الأعالي وبالشاحنات والقوافل؟. وفي غير ما مناسبة، كانت تمنح القاعات العمومية لجمعيات تقيم فيها أنشطتها، في حين تحرم من ذلك أخرى؟. ولاعتبار أو آخر قد تقبل جهة أو أخرى بذلك، ولكن من سابع المستحيلات أن يقبل به المجتمع المدني وإلا فعليه السلام؟.

 

هذا، وعلى الرغم من أن جمعيتنا فضاء الفتح للتربية والتنمية (e.f.e.d) كانت علاقتها بمختلف الهيئات والسلطات على العموم وعلى الدوام جيدة وممتازة، تواصلية وتعاونية وتشاركية في بعض الأنشطة الوطنية ذات الاهتمام المشترك كالمخيمات الصيفية ومحو الأمية وكرنفال المسيرة..، إلا أنها قد مرت عليها فترة عانت من شطط بعض رجال السلطة ما عانت خاصة في المكتب المركزي، حيث منعت دون موجب حق من طرف أحد عمال الإقليم – غفر الله لنا وله – من تراخيص الأنشطة الإشعاعية وعدم قبول إشعاراتها، من تراخيص القاعة الكبرى وغيرها من القاعات العمومية، من تعليق اللافتات الإشهارية في المدينة، من الأسابيع الثقافية والمهرجانات المعتادة للجمعية على مر السنين حتى المهرجان الوطني للطفولة والمنتدى الوطني لقضايا الطفولة..، لا لشيء إلا أنه قد خرج من أبناء الجمعية - على ما نظن - مرشحان عصاميان وبمبادرة منهما دون دخل الجمعية، أحدهما في الانتخابات الجماعية مقبول، والآخر في الانتخابات البرلمانية مغضوب عليه، نجح المرشحان على كل حال ولكن الجمعية بقيت تتابعها تهمة ممارسة السياسة بغطاء ثقافي، وهذا في نظر المتسلطين جريمة موجبة لحرمان الجمعية من حقوقها المشروعة، مما اضطرنا أن نخوض ضد كل هذا الشطط معركة صحفية إعلامية شرسة من أجل الحقوق المدنية والحريات العامة. ربحناها بالطبع ولو بعد رحيل ذلك المسؤول، بل وربحها المجتمع المدني في المنطقة إلى حين. وتمضي الأيام وتصبح مشاركة الفاعل المدني في الانتخابات سلعة رائجة بل مطلوبة حتى من الدولة نفسها، للاستثمار في تجارب ومؤهلات هذا الفاعل اليقظ والواعي، فهو على الأقل أحسن من جيش المرشحين الأميين، لا مالا يبقون ولا تنمية يحققون؟.

 

هذا الشطط في استعمال السلطة أو الإساءة في استعمال صلاحية وحق خاص من طرف رجل السلطة، مهما كانت مصادره ودواعيه ومبرراته وكيفياته فهو على كل حال يلحق الضرر بحقوق الآخرين وأنشطة الجمعيات، والمسألة في عمقها -كما يرى الكثيرون - ليست عفوية ولا مزاجية كما تبدو، بل لها روافد إيديولوجية.. هاجسية.. أمنية.. ضبطية.. تسلطية.. تقديرية.. وهمية..، ولكنها، لا تخدم لا في الأول ولا في الأخير مصلحة أي طرف فبالأحرى المصلحة العامة للبلاد والعباد. إنها تعود في الأساس إلى فلسفة الدوامة والمتاهة وأسئلتها البنيوية الخفية: هل العمل الجمعوي حق مشروع لعموم المواطنين أم امتياز لبعضهم فقط؟. هل العمل الجمعوي مع أو ضد، ومع من وضد من؟. هل هو حر مستقل أو مجرد تابع ؟. هل من حق السياسي أو السلطوي أن يتحكم في الثقافي ويستتبعه لصالحه وقراره الذي يستفرد به؟. هل المنح والشراكات والقاعات في هذا العمل حق مشاع أم مجرد ريع يمنحه من لا يملك لمن لا يستحق؟، إلى غير ذلك من الإشكالات الحقيقية والمعرقلة والتي ينبغي على الجميع القطع معها ميدانيا كما قطع معها الدستور الجديد (2011) نظريا، فأقر بأحقية العمل الجمعوي، ورفعه إلى درجة الشريك التنموي للدولة ومؤسساتها، ونادى بحياد السلطات العمومية، وجمع بينها وبين غيرها من التمثيليات النيابية والمدنية والتعيينية في إطار الديمقراطية التشاركية التدبيرية التفاوضية، وأوجب التعاون بين جميع الأطراف كل من مكانه وبإمكانه بدل القرار المركزي والفرجة المحلية؟.

 

إن أي جمعية، مهما كانت حيويتها وقوة نشاطها وعطائها، لا تقارن بأية سلطة مهما كانت بسيطة ولا بأية مؤسسة عمومية مهما كانت خدماتها متواضعة، الفاعل المدني لا يريد لأي مسؤول مهما اختلف معه في وجهات النظر وأسلوب التدبير، لا يريد له أي شيء من تلك العقوبات الزجرية الواردة قانونيا في حق المتسلطين الشططيين، من مساءلة ومراسلة.. من توقيف وعزل.. من تراجع في الرتبة وتأخر في الترقية.. إلى الإعفاء النهائي من الوظيفة العمومية، لا يريد إحراجه بالقيام بوقفات واحتجاجات أمام الإدارة.. ولا طرق أبواب المحاكم الإدارية ضده.. ولا التبليغ عبر المفوض القضائي.. ولا تدبيج شكايات صحفية وتقارير موازية يرفعها إلى من ينتشي بها من المنظمات الحقوقية وهي تسيء إلى سمعة البلاد وتضر بمصالحها..؟. لا نريد الانزلاق من هدف ممارسة الثقافة والتنمية إلى صراع التجاذب المجاني مع أي كان..؟، كل هذه الأشياء عندنا إلى 90 % تجدها معطلة رغم كل التجاوزات، وذلك لخلق المغاربة الطيبين، فقد يقدمون في عراكهم على كل شيء إلا مساس المرء في كسرة خبزه (وظيفته ورزق أبنائه)، ولو كان بظلمه وشططه يستحق كل شيء، والشر بالشر والبادئ أظلم؟. لكن متى سيعقل رجل السلطة هذا المدمن على الشطط؟، فما الفرق مثلا، في أن يرخص لجمعية بتنظيم كرنفال للمسيرة الخضراء ويمنع من ذلك أخرى؟، هل سترفع فيه الأولى علم البلاد وترفع فيه الأخرى علم غيرها؟، هل سترفع فيه المرخص لها كتاب الله كما رفع في المسيرة وترفع فيه الممنوعة كتاب الإنجيل؟.

 

لقد منعت جمعيات من حقها في استعمال قاعات عمومية فبنت لها مقرات نشطتها باستمرار بأنشطتها التربوية والاشعاعية، في حين أن تلك القاعات الممنوعة من طول غلقها قد عششت فيها الوطاويط وعلتها خيوط العنكبوت، لا أموالا عامة أبقت ولا أنشطة الجمعيات احتضنت، فمن يبوء بالإثم التاريخي لذلك غير المتسلطين والأريسين؟. واليوم، اليوم والثورة الرقمية والتقنية والعالم الافتراضي وصفحات التواصل الاجتماعي قد غزت كل المؤسسات والإدارات والجمعيات، فأصبح بمقدور أي جمعية أن تجعل لها مقرا وأنشطة ومنخرطين في مجرد حاسوب أو حتى هاتف ذكي، بل في مقدور أي فرد في جمعية أو بدونها أن يقوم بأي نشاط تكويني.. إشعاعي.. تواصلي.. مباشر أو غير مباشر.. ويعلن له ويسجله عبر منصات ومنصات وصفحات وصفحات، ويخزنه في مواقع ومواقع ويروج له عبر تطبيقات وتطبيقات..، ولا تستطيع أية إدارة أن تفعل ضده أي شيء، اللهم ما قد يكون أيضا من التعسف "الرقمي" والشطط "الافتراضي" وأخذ فلان بإبداع واستعمال وسائل علان؟ الجمعيات طاقة فكرية ومنتوج عملي، والطاقة قد تثمن وتستثمر وتكون دافعة ورافعة، والأفكار قد تحاصر فتتراجع ولكنها لا تموت، فالرجوع لله.. الرجوع لله؟.

                                                                                                        الحبيب عكي


اقرء المزيد

الأربعاء، 9 أكتوبر 2024

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

علمنا الدكتور عبد الفتاح فهدي، رحمه الله/5

                         5- معنى التضامن مع قضايا الأمة.

 

كلما رأيت هذا الضعف المخزي في التضامن مع إخواننا الفلسطينيين فيما يشن ضدهم من حرب عدوانية يومية مستعرة وإبادة جماعية مدمرة مستمرة، وكلما رأيت هذا الهوان المذل في شيوع عدم الاهتمام بقضايا المسلمين والمستضعفين عبر العالم، وكلما رأيت اندلاع التوترات المزمنة وإدمان مشاهدة الروع الدامي والمآسي المخزية عبر الشاشات، وكلما.. وكلما..، لا أكاد أستثني من ذلك غير طيف يسير من الناس ضمنهم أبناء الحركة الإسلامية المنقسمة بدورها على ذاتها، ورغم جهدها المقاوم والمستمر فهي في الحقيقة تقوم بمجرد دورها الشرعي، وإن كانت لا تزال بعيدة عن التأثير في قرار الحكام ومواقف المسؤولين، وأبعد عن تحريك حشود الجماهير من أجل المشاركة والانخراط المستمر والفعال في شتى أشكال الاحتجاجات والتضامنات والترافعات... كلما رأيت هذا الفتور المتدحرج تذكرت جمعيتنا الرائدة أيام زمان، وهي شعلة متقدة تحتفي بكل قضايا الوطن والمسلمين، وتنظم من أجلها تظاهرات إشعاعية وحملات تضامنية، وكأنها عمرية مغربية حرة تعتبر نفسها مسؤولة عن دبيب النمل من المظالم تصيب المسلمين في أقصى الأقاصي.

 

وكم نظمت الرائدة المجاهدة المناضلة من أسابيع ثقافية ومهرجانات إشعاعية.. معارض الكتاب ومبيعات فلسطين.. محاضرات وندوات.. مسابقات ثقافية.. دوريات رياضية.. وأمسيات فنية.. لازالت جنبات دار الشباب تئن بازدحامها.. تصفيقاتها وتشجيعاتها، وهي على الدوام مملوءة عن آخرها، تظاهرات ثقافية وإشعاعية كانت تشرح حيثيات وملابسات ما دأب عليه أعداء الأمة من الصهاينة والأمريكان في عدوانهم الظالم والدائم على العديد من شعوب الأمة الإسلامية في فلسطين.. وأفغانستان.. والعراق.. وجنوب لبنان.. والبوسنة والهرسك.. بل وضد الإساءة إلى تشريعات الإسلام ورمزه المعصوم الرسول صلى الله عليه وسلم. كان الفضائيون شموعا متقدة وعطاءات متدفقة وإبداعات ممتعة، يضحون ولا يمنون ولا يشتكون، وسلواهم قناعتهم بالرسالة ورضاهم بأداء الواجب التضامني لجمعيتهم اتجاه إخوانهم عبر امتداد الأمة، هذا قبل أن يفرحوا - طبعا - بنجاح النشاط وإقبال الجمهور عليه إقبالا منقطع النظير، وأيضا إقبال الشباب ذكورا وإناثا للمساعدة في التنظيم والحراسة والاحتكاك بأعضاء الجمعية والتعرف على رؤيتها وسلوكها وبالتالي الانخراط فيها والمشاركة في أنشطتها من أناشيد حماسية ومسرحيات درامية قوية كانت دائما تحيط بالموضوع وتحظى بإعجاب الجمهور وتفاعلهم مع الممثلين حد البكاء.  ونفس العزيمة والحماسة في قضايا الوطن ومناسباته الدينية والوطنية وما تحمله من قيم وفضائل، أبدعنا في بلورتها مهرجان المحبة في المولد، وحملة أحبك وطني في ذكرى المسيرة، وكرنفال المسيرة.. والدوري الثقافي والرياضي للشباب، والمنتدى الوطني لقضايا الطفولة، وملتقى شباب العالم الإسلامي للتعريف بالقضية الوطنية...

 

 كانت الرؤية وكانت العزيمة، كانت الهمة وكانت الحكمة، وكان الإبداع والإمتاع والإقناع، في جو من الفكر والحوار والمشاركة الفعلية والدائمة للجميع في مستوى من المستويات، في الأندية واللجن أو في مكاتب الفروع، مشاركة في التنظير والنقاش.. في الاقتراح وتوزيع التكاليف.. في الإنجازات المبهرة والطموحة... نعم، أقول الطموحة وأنا أتذكر ما كان يدفعنا إليه الدكتور عبد الفتاح فهدي، رحمه الله، من ضرورة اتساع الأفق وعلو السقف، وطبعا قوة الحركة وكبر الإنجاز وتناسبه مع الأهداف، فكنا في المهرجانات التضامنية والطفولية والشبابية الأخيرة، نخرج بلاغا إعلاميا نضمنه أهم التوصيات حسب موضوع الدورة، ونعمل على نشره على أوسع نطاق ممكن، نرسله كقوة اقتراحية إلى كل الهيات والمؤسسات المعنية في المجال وإلى وسائل الإعلام المتاحة، بل نرسله حتى إلى الشخصيات الاعتبارية المسؤولة الوطنية منها والدولية، وأتذكر ذات مرة وأنا لم أصدق، بيان المهرجان التضامني مع البوسنة والهرسك قد كتبت مسودته وبعد مناقشته وإنضاجه وإقراره، أرسلناه على شكل رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكي آنذاك " بيل كلينتون "، فلم أكد أصدق ولازلت أتساءل مع إخواننا المصريين هل نحن في حلم أم في علم؟.

 

واليوم، ما بالنا اليوم؟، ونفس المآسي لا تزال مستمرة بل ومستفحلة؟، ونفس الدواعي التضامنية الدينية والوطنية.. الاجتماعية والإنسانية.. لازالت قائمة بل ومتوطدة أكثر؟، ونفس الرؤى التقديرية والاعتبارية والقانونية لازالت مجمعا عليها (فلسطين قضية وطنية)؟. فما بالنا انقسمنا اتجاه القضية شذر مذر، بين مستخف لا مبالي، وكيدي عدواني، وشامت بدعوى لم يستشرني أحد قبل 7 أكتوبر، كأنه لو استشاروه كان سيقول لهم عليكم بالجهاد ورد العدوان.. وإنه لجهاد نصر أو استشهاد؟، وهناك وقح يعلنها مع العدو دون خجل ولا وجل؟، وخانع جبان يظن نفسه مغلوب على أمره وما بيده حيلة؟، وكل ما تبقى ممن يعتقدون ببعض عار القضية عليهم، فهم يأبون إلا التضامن مع القضية بنفس الطريقة الباهتة.. طريقة واحدة وموحدة كأن عقولهم عقيمة لا تعرف غير ذلك..؟. الجماهير الشعبية في مسيراتها المليونية تتظاهر في الشارع ثم تنفض إلى همومها؟، المحامون يتظاهرون في الشارع ويحرقون علم العدو؟، البرلمانيون يخرجون إلى أمام القبة ويتظاهرون وهم يحرقون حناجرهم ولا يحرقون إلا إياها؟، لم يبقى إلا الرؤساء في صمتهم وتطبيعهم وجبن قرارهم، فهم يتحدثون أنهم هم أيضا سيتظاهرون في مؤتمرهم - إن عقد - وسيرفعون نفس شعارات الشعوب: "بالروح بالدم.. نفديك يا فلسطين"؟.

 

جمعيات المجتمع المدني في أصلها ومبرر وجودها جمعيات تضامنية.. ترافعية.. خدماتية لصالح الفئات الهشة.. ومع الشعوب المقهورة والمحرومة من أرضها وسيادتها ومن حقها في الحرية والكرامة والعيش الكريم، فلا ينبغي - بحال من الأحوال - أن تكون هي اليوم أول ضحايا التطبيع مع الظلم والعدوان وتتخلى عن أصلها الوجودي الأول أو تنحرف عنه باهتمامها بغير ما يدعمه ويؤصله وينشره، ألم تعد القضية الفلسطينية قضية القضايا؟. هل زال فيها الاستعمار وانعدم الاستيطان؟. هل تحرر السجناء وعاد اللاجؤون؟. هل قامت الدولة الفلسطينية الحرة بمقومات السيادة للدول؟، هل شفي المرضى وأجبر المفقودون وأوي المشردون وشبع الجوعى واطمأن الخائفون؟، هل توقف العدوان وأعيد بناء العمران وتحقق السلم والأمان؟. فماذا تفعل الجمعيات نصرة لهذه القضية العادلة أم القضايا؟:

 1- ما برامجها لتوعية ناشءتها بتاريخ وتطورات وتعقيدات ومسارات القضية؟.

2- ما رؤيتها للتمييز بين الحلول المقاومة التحررية ونصرتها والحلول العبثية الاستسلامية والتصدي لها؟.

3- ما خطواتها الصلبة للتنسيق بين الجهود المتضاربة لكل الفاعلين الرسميين والمدنيين لصالح القضية؟.

4-ماذا تستوعب هذه الجمعيات من خطط التطبيع ومظاهره ومخاطره المتعددة على الأفراد والمؤسسات.

5- هل لازالت غير تائهة عن جوهر القضية الذي هو الاستعمار والاستيطان والعدوان وفقدان السيادة؟.

6- ما مدى مقاومتها لليأس والملل وتفرقة الداخل الفلسطيني والتفكك العربي وتخاذل المنتظم الدولي؟.

 

            لا أعتقد بصواب من يقولون أن القضية أكبر من الجمعيات، وأنها تتجاوز حتى رؤساء الدول وحتى الاتحادات القطرية والأممية الضخمة والممتدة، صحيح، أن القضية قضية الجميع، لكن المجتمع المدني يظل فيها الأس والأساس أيضا، خاصة في عهدنا عهد الثورة الرقمية والعالم الافتراضي أو القرية الكونية المصغرة، فألم تساهم جمعيات المجتمع المدني في الترافع القوي عن قضايا كونية اضطر المجتمع الدولي مع قوة ترافعها وإصرارها على تبنيها والاستجابة لمطالبها والتشريع الدولي لها في محطات "سيداو".. و"بكين".. و"القاهرة".. و"ريودي جانيرو".. وفي مجالات البيئة.. ومجال السكان.. ومجال الهجرة.. ومجال الاتجار في البشر.. ومجال.. ومجال..، إن السخط العارم ضد العدوان الصهيو- أمريكي على "غزة" كانت له أصداء عالمية قوية في صفوف كل شباب العالم في كلياته وساحاته وشوارعه وملاعبه..، فما الذي يمنع أن تكون فلسطين الجريحة ومقاومتها الصامدة، ما يمنع أن تكون محاربة الإبادة الجماعية في "غزة" الشهيدة المجيدة، لها كلمة سواء، بطليعة جمعيات المجتمع المدني؟، إنه أمر ممكن، على الأقل للتعبير على أنه لازال للتضامن الحقيقي مع الشعوب المستضعفة بعض الدعم والمعنى؟.  

الحبيب عكي


اقرء المزيد

الخميس، 3 أكتوبر 2024

http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

الالتزام عند الاستاذ عبد الفتاح فهدي في ثقافته البانية.

إشارة أولية : كان والدي رحمة الله عليه ؛ كلما بلغه نعي احد أصحابه ومحبيه واحبائه بعد الترحم عليه ذاكرا هازم اللذات ومفرق الجماعات؛ يردد المثل الشعبي" موت لاصحاب من تعسار ليام" علما انه يدرك ادراك المتصوف الفقيه؛ انها سنة الله في خلقه.ولعل هذه الحكمة الشعبية وغيرها من العبارات التي نرددها حينها؛ لها دلالات وابعاد نفسية واجتماعية ودينية تتعلق بمرددها؛ متلقيا للخبر المفجع في علاقته مع ذاته؛ وفي علاقته مع الفقيد؛ وفي علاقته بمحيطه الاجتماعي .. تلقينا وفاة صديقنا وزميلنا في العمل لسنوات عبد الفتاح فهدي و الممتهن معنا للعمل الجمعوي في جمعية واحدة من جهة وفي فضاء مغلق يجمعنا في جمعيتين مختلفتين من جهة ثانية والبحث الاكاديمي في ملتقيات سجلماسة لفن الملحون من جهة ثالثة.

 

         وهكذا؛ احببت تأبين الرجل تخليدا لحسناته من خلال هذه الكلمة التي توثق رسائله المتنوعة وليس بكاء و ولولة ...مع اعتذاري لمن يقرأ هذه الكلمة على كل ماقد يوجد بها من هنات لاني لم أعدها مسودة؛ بل اكتبها مباشرة عدا مقالاته حيث اردت لها ان تكون عفوية بأحاسيسها؛ منبعثة من القلب ..

 

*رسالة الاستاذ مع الأنشطة الموازية :

تعاطى رحمة الله عليه لتدريس مادة الفلسفة-التي لم تتحرر آنذاك من نعوت القرون الوسطى - في ثانوية مولاي رشيد بمدينة أرفود ؛ في الوقت الذي كنا في ندرس مادة اللغة العربية حيث جمعتنا معه أواصر المحبة في الله ولله . كان لين الجانب مبارك الجوار ؛ حسنن المعاملة ؛مبتسم التغر ؛ باشا في وجه متلقيه ...ادى رسالته الأستاذية على احسن وجه مربيا ؛موجها؛ ناصحا ؛قلقا/ القلق الفلسفي من نوع خاص ..وانفتاحه لحيويته وفاعليته وفعاليته على المشاركة في الأنشطة الموازية ومجالس المؤسسة ..ويكفي في هذا المقام ان نشير الى نشاط ثقافي داخل المؤسسة وهي عبارة عن مناظرة ذات طعم فلسفي مختلفة المرجعيات بينه وبين الزميل بوعديلة وهو الاخر أستاذ للفلسفة - تحياتي له وارجو ان يكون بالف خير- حول مؤلفين بارزين العالمين على راسها نور وهما : الغزالي ومؤلفه تهافت الفلاسفة؛ وابن رشد ومؤلفه تهافت التهافت حيث كان أستاذنا بوعديلة مدافعا عن ابن رشد واطروحته وممثلا له ؛بينما استاذنا فهدي مدافعا عن الغزالي ..وكانت المناظرة حمية الوطيس بين استاذين ينتميان الى نفس التخصص مع تشبع الاخير بالجانب الديني ولعل هذه المناظرة هي التي حفزته اكثر ليتوجه وجهته بدون مؤاربة ولا توجس معلنا مشروعه الباني...ونظرا لصدى ووقع هذه المناظرة اعدناها بين الاستاذ القدوسي احمد استاذ الانجليزية / الغزالي والاستاذ محمد المالكي/ابن رشد؛ وكان عبد ربه مسير هذه المناظرة التي لا يمكن نسيانها.. والجميل في كل هذا في هذه الثانوية العريقة تربويا وثقافيا ان الاختلاف الايديولوجي لا يؤثر على الزمالة حيت الذي يؤثر بحق المواقف امام قضايا الشغيلة التعليمية ؛ ولكن كان الكل ينخرط بشكل لا نظير له في هذه القضايا...

 

*رسالة الممتهن للعمل الجمعوي:

كان رحمة الله في جمعية النخيل متعاطفا و عضوا .كما كان معنا عضوا في جمعية سجلماسة للفن الملحون التي كان لها الفضل الكبير في تأطير جملة من البراعيم انذاك والذين اصبحوا الان والحمد لله من رجالات الملحون انشاد وعزفا وووو كان الاستاذ عبد الفتاح ما ان اكتشف قصيدة الوصية للشيخ سيدي عمر اليوسفي الذي عاش في عصر السلطان المولى السليمان وما يعرفه هذا العصر من اضطراب انعكست في القصيدة من خلال جملة من الوصايا والحكم كأنها ترياق ..حتى استهوت الاستاذ الباحث عبد الفتاح فاضحت بالنسبة إليه معينا يستمد منها رؤياه الفلسفية الواقعية يستخصرها في كل مداخلة حتى نعتناها محبة عبد ربه والاستاذ عبد السميع .. بسيدي عمر اليوسفي وكان يتقبل ذلك بصدر رحب ...وكانت لنا معه جولات في المؤسسات التعليمية عن الجانب الديني في الملحون وخاصة في ليالي رمضان جوانب أخرى في غيره..ثم اسس جمعية فضاء الفتح الوطنية التي كان لها حضور الى اليوم بينما نحن وثلة من الاصدقاء اسسنا جمعية الأمل الثقافي ورغم اختلاف التوجهات لم يحدث أن تصادمنا او مزق بعض ملصقات الاخر كما حدث بعد ذلك ؛ نحضر انشطتهم ويحضرون انشطتنا بل يشاركون في بعص ندواتنا و نشاركهم في ندواتهم. وكان الأستاذ عبد الفتاح هذا الفضل لانفتاحه وتعادليته ليس بالمفهوم الحزبي الى درجة انه في عقيقات ابنائه حفظهم الله تراه اديبا ينتقر ليس من زاوية التوجه او اليافطة السياسية أو الجمعوية ..وقد كان لنا حضور في جميع مناسباته ..,ولم يفته رحمة الله عليه عندما انتقل إلى الدار البيضاء وهو رئيس مؤسسة ابن عبود ان يستدعنا للمساهمة في ندوة حول الملحون تكريما العباس الجراري والتي شاركنا فيها بموضوع : الملحون الأصالة والإستمرارية 2007

 

*رسالة الباحث في حقل الملحون:

كان لجمعية سجلماسة الفضل الكبير في التوجه الى الملحون سجل الحضارة المغربية وديوان المغاربة ؛ فضلا عن رغبة الرجل استثمار كل ما من شانه ان يجعله ينفتح عن محبطه الاجتماعي ليؤدي ما يؤمن به من رسائل . وكان الملحون مجالا خصبا وجسر العبور الى المتلقي المتنوع المشارب الثقافية ..ومن مقالاته التي وقفنا عليها مايلي:

*قصيدة النحلة ( قراءة سريعة في ملف الطبيعة)  

ملتقى سجلماسة الخامس 1992 وزارة الشؤون الثقافية

*قراءة في قصيدة" الوصية "للشيخ سيدي عمر اليوسفي 19-30،-1990

*الالتزام في الملحون مؤسسة المهدي بن عبود تكريما العباس الجراري 2007

*فن العمارة في فن الملحون ملتقى سجلماسة السابع 1994

،*قصيدة المصرية قراءة في جهاديات الشعب المغربي ملتقى سجلماسة السادس لفن لدالملحون1996

*نمادج من القصة في فن الملحون ملتقى سجلماسة الثامن 1997

رحمة الله على الاستاذ الباحث المربي عبد الفتاح فهدي وبارك الله في ذريته وإنا لله وإنا إليه راجعون ..فصبر جميل.



                                                                                                 الباحث ذ. مبارك أشبرو


اقرء المزيد
http://akkioasisdesarticles.blogspot.com/

علمنا الدكتور عبد الفتاح فهدي، رحمه الله/4

                             4- معنى شعار الجمعية: "تنمية الإنسان أولا".

"تنمية الإنسان أولا" هو شعار الجمعية، وهو كما نرى شعار يرسم توجه الجمعية ورؤيتها ويركز برامجها وأنشطتها على الإنسان قبل كل شيء، كما أنه بحال من الأحوال يسائل التنمية الحالية بكل أشكالها و في كل مجالاتها، إنجازاتها واختلالاتها، ماذا بقي لها من الجدوى والصلاحية؟، خاصة وكما نعلم أن كل المعنيين وكل المهتمين المنصفين يجمعون اليوم أكثر من أي وقت مضى على فشل النموذج الحالي للتنمية في العديد من الدول، وطبعا، ضمنها كثير من الدول العربية والإسلامية، وذلك للعديد من العوامل والأسباب على رأسها: تركيز جهودها على تنمية "العمران" على حساب "تنمية الإنسان"، على أهمية "العمران" بحجره وشجره وكل بيئته في الحياة العامة.

 

ليس هذا فحسب، بل أيضا لأن عيوب تنمية اليوم كثيرة، فهي تنمية اللاقيم أو تنمية قيم الفوضى، حيث يسود الفقر والاقصاء والحروب المدمرة والصراعات المزمنة كثيرا من بقاع الأرض، وهي تنمية التركيز والاحتكار، فإذا قيل مثلا: معدل الدخل في بلد ما مرتفع ويبلغ كذا وكذا، تجد 10/9 ثروة ذلك الدخل كلها متمركزة في أيدي قلة قليلة، فيما فئات عريضة من أبناء ذلك البلد غارقة في الفقر والتهميش والإقصاء وكل أوجه المعاناة والمأساة؟. وهي أيضا تنمية الآلة والتقنية الصماء العمياء في الهدم والبناء، وعبثا حاولت وتحاول إلحاق الشعوب المستضعفة قوة بالنموذج الغربي الحداثي التائه مع نفسه ومع غيره بما أنتجه وينتجه باستمرار من تذبذب القيم الأخلاقية ومن عولمة الحروب والصراعات والتفقير والتهجير والأزمة البيئية وإن باسم الحرية والتنمية والأمن والرفاه المدعى؟.  

 

لذا فالجمعية بشعارها "تنمية الإنسان أولا"، إنما تسعى جاهدة للترفع عن أعمال الهدر التنموي وخلاف الموعد مع مخططاتها برامجها ومؤشراتها الحقيقية، والتي تخوض فيها كثير من فعاليات المجتمع المدني والسياسي على السواء، وبكل بهرجة وتهريج وميوعة وتمييع - مع الأسف -؟. "تنمية الإنسان أولا"، تصبو به الجمعية أن تصب برامجها وأنشطتها في خدمة الإنسان أولا، وتعمل قدر المستطاع على التنبيه الاقتراحي والمساهمة المدنية في تدارك ما يدفع إليه بوعي أو غير وعي من هاوية الاختلالات التنموية ولا عدالتها القطرية والدولية؟. إيمانا منا كما يقول الدكتور فهدي - رحمه الله - بالعديد من المسلمات ومنها:

1-  مكانة الإنسان الذي استخلفه الله في الأرض واستعمره فيها وأسجد له الملائكة وسخر له الخلائق، فأوجب له كل الكرامة الآدمية والخدمات الراقية: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا "الإسراء/70.

2-  كون الإنسان كل متكامل لا ينمو بالعمران وحده، بل لابد له من قيم نبيلة ترشد ذلك العمران المادي وتوازن بينه وبين العمران الروحي، حتى يبقى الإنسان دائما متزنا، وسيلة للتنمية وغايتها، يعوض ويصحح كل نقص أو انحراف يصدر من الآلة والتقنية أو من يصنعها ويبرمجها؟.

 

العديد من الدول والمنظمات تراجع الآن نموذجها التنموي، وضمنها بلدنا المغرب الذي كانت له الجرأة لإعلان فشل نموذجه التنموي الحالي بشكل رسمي، وللعديد من الأسباب التي ذكرنا بعضها. وأكيد، سيسعى لإعداد واعتماد نموذج تنموي جديد - نتمنى له التوفيق-، نموذج سيسحب أسهمه من النموذج الاقتصادي الصرف ليستثمرها من جديد في النموذج البشري الإنساني أو ما أسماه بالنموذج التنموي الجديد والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وشتان شتان بينهما، لأن الأمر سيكون -كما يقال-  تحول إيجابي من التنمية بالثراء المادي المضطرب فحسب إلى التنمية بالرفاه البشري العام والمضطرد، ومن مجرد زيادة الدخل الفردي للمواطن إلى توسيع اختيارات كل الزيادات المتاحة والبناءة، ومن تحقيق النمو المادي الصرف إلى توسيع الحريات واعتبارها.

 

وحجر الزاوية في كل هذا – كما ترى الجمعية – هو "بناء الإنسان أولا"، لأن الإنسان كما هو معروف بمثابة قطرة الماء التي تبعث الروح في شجرة الحضارة الجدباء، وحتى تكون له جاهزية قوية تمكنه وتسعفه في مواجهة التحديات والاكراهات التي تتطلبها عملية البعث والاحياء هذه، لابد له من منظومة تنموية نسقية شمولية، مجالية منصفة ومستدامة، أهم حواملها:

1-  حامل وازع ديني: قيمي وأخلاقي يدعم هويتنا الحضارية ويجدد مرجعيتنا الإسلامية ويرسخ انتمائنا وإجماعنا الوطني، بكل وضوح وموضوعية، اعتدال ووسطية، وغير ذلك مما ينبغي أن يجد له صدى في سياساتنا العمومية والاجتماعية، سياسة الوحدة والتضامن في إطار التنوع والاجتهاد.

2-  حامل اجتماعي: يحقق الرفاه الاجتماعي بتجويد خدمات الصحة والتعليم والسكن ومكانة المرأة وظروف الطفولة وحقها في العيش الكريم، تعليم يروي النشء معرفة بدل مجرد تحصيل نقط للنجاح، القيم الأخلاقية بدل الفوضى، تجارب علمية ماتعة وأنشطة موازية ترفيهية ودامجة..

 

3-  حــــــــــــامل إداري: يطور مؤسسات الدولة ويحسن فيها خدمات الارتفاق العمومي بما يرفع من شعارات لازلنا نأمل رؤيتها يانعة على أرض الواقع: كترشيد الاستهلاك وأمانة المال العام، تشغيل رجال الكفاءات بدل رجال الولاءات، الربط الفعلي للمسؤولية بالمحاسبة.. إلى غير ذلك من لوازم الحكامة الجيدة.

4-  حامل سياسي: يضمن التعددية الفعلية، مصداقية المؤسسات الدستورية استقلاليتها وفعاليتها، الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية..، دمقرطة وسائل الاعلام وانفتاحها على الجميع، العدالة والسيادة والتنافسية في إطار الوحدة والتعددية وسياسة قيمية تنموية وحقوقية.

5-  حامل تربوي ثقافي: يحفظ قيم ومعايير مؤسسات الأسرة المغربية والمدرسة العمومية وجمعيات المجتمع المدني ويقوي دورها في التواجد الفعلي والفعال كشريك تنموي في تأطير المواطن علما ومعرفة، تكوينا في مهارات الحياة وتأهيلا في قيم الأخلاق والتربية على المواطنة والسلوك المدني.

 

هكذا يمكن تحقيق المؤشرات الدولية للتنمية البشرية ومغادرة المقاعد الأخيرة التي طال فيها مقامنا عند كل تصنيف دولي (189/120)، وإن كان لنا من كونية حقوقية ومواثيق دولية، فلابد من العمل على تحسين أمد حياة المواطن(84/74)، والدخل الفردي بالعمل والسكن وملائمة الأسعار، وجودة خدمات الصحة والتعليم والسكن والشغل والنقل والماء والكهرباء والهاتف والحريات..، اكتساب المعرفة والمساهمة في البحث العلمي و في الإنتاج..، ولا ننسى أن القيم هي أس وأساس كل هذا، فكم نجحت في التنمية دول على قلة أو انعدام مواردها، لا لشيء إلا أن لديها الإنسان المواطن كاليابان ونمور شرق آسيا(أسيان: asean)، وكم فشلت في التنمية دول على ضخامة موارها كالمستعمرات الأفريقية رغم تحررها، لا لشيء إلا لأنها كثيرا ما تفتقد الإنسان الذي لا تؤمن به ولا يؤمن بها، وكثيرا ما أرادت استنبات تنمية وافدة خارج أراضيها وبقيم غير قيمها؟.

 

يقول "مالك بن نبي" هل يمكن النهوض بقيم الهزيمة النفسية كالخوف من المستقبل.. فقدان الضمير العلمي.. اضطراب الوازع الديني.. الخوف من التجريب.. السعي للنهوض الفردي بدل الجماعي.. عقلية الاحتكار والتهميش والإقصاء.. الركود والشره والظلم والاستبداد.."؟. وبالمقابل ألا يمكن النهوض بقيم الإسلام كالإيمان والعلم والعمل.. والعدل والتضامن.. والزكاة والصدقات.. التضحية والصبر والأمانة.. القناعة والزهد والعمل التطوعي.. الصدق والإخلاص والوفاء..؟. إن حجر الزاوية في كل هذا هو الإنسان الذي لا نستثمر فيه بواقع مستواه التعليمي المنخفض على العموم، وبواقع أنه يعاني من تفشي الأمية ومن البطالة والتفكير في الهجرة، مهموم على الدوام بالبحث عن لقمة العيش، عن الأمن والاستقرار، وكثيرا ما تسوء أخلاقه ولا ينتج غير الوجع والشكوى؟. ولكن، شئنا أم أبينا يبقى الإنسان هو كل شيء وعليه يبنى كل شيء، هو حجر الزاوية.. باب البرج العالي والمنارة الشاهقة.. سفح الجبل الشامخ نحو القمة والصدارة.. بداية الطريق وسطها ومنتهاها.. فلا بد من "تنمية الإنسان أولا".. ولابد من تنميته ثانيا وثالثا بشكل شمولي وعلى الدوام أبد الآبدين.

الحبيب عكي


اقرء المزيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

المشاركات الشائعة