قانون الإطار،أو تقنين الفقدان والهشاشة والإذعان
في غفلة من أمر الشعب المغربي،وما يصطلى به هذه
الأيام من أزمات متفاقمة في الصحة والسكن والتشغيل والنقل الحضري والقروي..،أزمات أفقدت
الكثيرين الأمل في السياسة والسياسيين،وحادت بهم بشكل غريب عن الاهتمام بالشأن
العام إلى التفكير في مجرد الخلاص الفردي ولو بالهجرة القسرية والقضاء في الأعالي(اللهم
الحوت ولا الدود)؟؟.في غمرة "إيتشوان إكنوان" وغيره من الأجواء المشحونة
بالسفاهة والتفاهة واليأس والإحباط تتسارع اليوم عصابات الإفلاس في التربية
والتكوين و لوبيات الاسترزاق في التغريب والتبعية والرقي الاجتماعي ولو بالفرنكفونية
المحنطة والعلمانية المتطرفة،إلى تمرير "قانون الإطار 51.17" المتعلق بمهام
الدولة والفاعلين في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي،لعلهم يخرجونها من
مزاجية وتقلبات وزراء القطاع المتعاقبين إلى سياسة بنائية تراكمية بغض النظر عن
ماهية وانتماءات المسؤولين،قانون أثار الكثير من الجدل الصاخب والرفض المصاحب،وأقل
ما قال عنه المحللون والفاعلون أنه قانون فقدان البوصلة وتنمية الهشاشة وفرض الإذعان،ترى
ما هي التفاصيل:
يقال
أن قانون الإطار قد وضعه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي 2016،بشكل
انفرادي ودون مقاربة تشاركية طالما دعت الدولة إلى اعتمادها في كل القضايا
الوطنية؟؟،ولعل خلسة المجلس الأعلى هذه تعد محاولة يائسة لتنزيل ما وضعه قبله من
تدابير أولية للرؤية الاستراتيجية للنهوض بالقطاع ما بين 2015-2030،والتي يصنفها
البعض بأنها رؤية من لا رؤية له،لم يظهر من نتائجها حتى الآن شيء ملموس يمكنه
الإسهام الفعلي في معالجة المشاكل الحقيقية في التعليم،اللهم ما كان من بعض
الشكليات السطحية التي لا تمس إلا المظاهر؟؟،بل بالعكس تعمقت المشاكل القديمة
وظهرت معضلات جديدة باتت تؤرق الجميع كمهازل فرض التعاقد والزيادة في سن التقاعد
والنقص في المعاشات...؟؟،هذا وقد جاء القانون منسجما مع سياسة الوزارة الوصية بل وحكومة
طالما وصفت بأنها حكومة الآذان الصماء وفقدان الحوار والانفراد بالقرار،وارتفاع العطالة
والتهاب الضرائب والزيادات والتراجعات عن المكتسبات؟؟،وهكذا وقف الباحثون
والدارسون على العديد من الاختلالات في هذا المشروع،إذا ما مرره أي طغيان فلن
يساهم إلا في السكتة القلبية للمنظومة وسيبوء بجريمة تخريج أجيال في المستقبل ليس
بينهم وبين المغربة إلا الخير والإحسان؟؟.
ورغم
أن قانون الإطار قد بني على الميثاق الوطني للتربية والتكوين،وهو في حد ذاته مشروع
فاشل أو ربما أفشل على الأصح،ولم تسعفه مقويات المخطط الإستعجالي 2009 - 2012 ولا جرعاته
"الارتجالية"،إلا أنه على الأقل قد كان المرحوم واضحا في أهدافه
ومراميه،وعبر عن أحلام واستحقاق جيل وطني طالما ناضل من أجل مدرسة وطنية وتعليم مغربي
ناجح وناجع،من الجميع وإلى الجميع ومن أجل الجميع وبالجميع؟؟،وهكذا صرح الميثاق في
أهدافه ومراميه ومرجعياته ومرتكزاته،بأنه "يهتدي
نظام التربية والتكوين للمملكة المغربية بمبادىء العقيدة الإسلامية وقيمها الرامية
إلى تكوين مواطن يتصف بالاستقامة والصلاح،المتسم بالاعتدال والتسامح،الشغوف بطلب
العلم والمعرفة في أرحب آفاقهما،والمتوقد للاطلاع والإبداع ،والمطبوع بروح
المبادرة الإيجابية والإنتاج النافع"ف1 ص4.،إلى أن يقول:" ويلتحم النظام
التربوي للمملكة المغربية بكيانها العريق القائم على ثوابت ومقدسات يجليها الإيمان
بالله وحب الوطن والتمسك بالملكية الدستورية..،إلى أن يقول على النشء أن يكون
متمكنا من اللغة العربية،اللغة الرسمية للبلاد،تعبيرا وكتابة،وأن يكون منفتحا على
اللغات الأكثر انتشارا في العالم،متشبعا بروح الحوار وقبول الاختلاف وتبني
الممارسة الديمقراطية في ظل دولة الحق والقانون" ف2 ص4؟؟،
في
حين أن قانون الإطار مع الأسف وهو يتكون من حوالي 60 مادة تكاد تغيب فيها كل هذه المصطلحات
والمرجعيات والإحالات،وتتبنى بدلها لغة فضفاضة و ضبابية ومهزوزة من مثل:"يهدف القانون إلى ترسيخ الثوابت الدستورية للأمة والمنصوص
عليها في المادة4 من الدستور،وتخريج متعلم متشبع بروح الانتماء للوطن ومتشبعا بقيم
المواطنة مادة3،والإسهام في تحقيق التنمية المستدامة من خلال إكساب التلميذ
المهارات والكفايات اللازمة التي تمكنه من الانفتاح والاندماج في الحياة العملية،والمشاركة
الفاعلة في الأوراش التنموية للبلاد بما يحقق تقدم المجتمع...وتزويد المجتمع
بالكفاءات والنخب من العلماء والمفكرين والمثقفين والأطر والعاملين المؤهلين
للإسهام في البناء المتواصل للوطن على جميع المستويات وتعزيز تموقعه في مصاف
البلدان الصاعدة.."ص6،و غير ذلك من كلام يمكن قولبة أي شعب في قوالبه كما
قال أحدهم من "تانزانيا" إلى "الوقواق"،ولا وجود لأية خصوصية
مغربية ولا للحاجيات والمرجعيات والتراكمات المغربية في المجال التربوي وثرائه
الحضاري؟؟.من هنا سجل الملاحظون العديد من التراجعات نورد بعضها كما يلي:
1- التراجع في مسألة الهوية والخصوصية: وهو في الحقيقة تراجع
جوهري لأن الهوية هي حجرة الزاوية وعليها يبنى كل شيء،من نحن وماذا نريد وكيف؟،ويظهر
جليا أن القانون قد فقد البوصلة في هذا الصدد ويريد الجمع بين كل شيء وهو لا يريد
أي شيء غير الضبابية؟؟.ففي المادة 4 :"تستند المنظومة في تحقيق أهدافها إلى
الثوابت الدستورية للأمة المغربية والمتمثلة في الدين الإسلامي الحنيف والوحدة
الوطنية المتعددة الروافد...الهوية الوطنية الموحدة..المساواة والإنصاف وتكافؤ
الفرص..التمويل على مبادئ التضامن...وكلها تناقضات؟؟.
2- التراجع عن اللغة العربية كلغة التدريس: خاصة في
المواد العلمية،رغم أن عربية تدريس هذه المواد كما يقول اللغوي المغربي د.فؤاد
بوعلي،لا تحتوي على أكثر من 3 % من المصطلحات العلمية وهي موجودة؟؟،لا بل والجرأة
على خرق دستوري في تسوية بين اللغتين الرسميتين للمملكة العربية والأمازيغية-التي
لازال وضعها غامضا-،وغيرهما من اللغات الأجنبية وخاصة الفرنسية في إطار ما يسميه القانون
ب"اعتماد التعددية والتناوب اللغوي..والهندسة
اللغوية المعتمدة..كبيداغوجيا تتيح تدريس بعض المواد أو مجزوءات منها بلغة أجنبية،فرضها
القوم فرنسية متبرجة عرجاء حتى قبل اعتماد القانون أو رفضه أو تعديله؟؟.
3- التراجع عن مجانية التعليم في المادة 48: خاصة في
التأهيلي والجامعي،بإجبار الأسر المغربية الميسورة على تمدرس أبنائها بدفع رسومات
التسجيل في التعليم التأهيلي والجامعي؟؟،فكيف ستحدد هذه الأسر الميسورة،وكم سيفرض
عليها،وهل تهتم الأسر الميسورة أصلا بالتعليم المغربي العمومي أو فيه ما يغريها
على إرسال أبنائها إليه،وأي مستقبل يضمن لهم حتى يؤدوا أو يبذروا مقابله؟؟.
4- التراجع عن حق رجل التعليم في الاندماج في سلك الوظيفة
العمومية: والاستفادة من بعض امتيازاته
كما هو متعارف عليه منذ الأزل؟؟،وذلك بفرض مهزلة التعاقد عليه مقابل البطالة وهما
أمران أحلاهما حنظل،والأمر في الجوهر تكريس لفرض الهشاشة واللاستقرار واللاتكوين
على رجال ونساء التعليم،باعتبارهم في نظر القانون مجرد أجراء لا مربون رغم ما يوضع
بين أيديهم من فلذات أكباد الشعب ومستقبل الوطن؟؟،
5- إجبار الجماعات الترابية في المادة 45على المساهمة في
التمويل: وأنى لها ذلك وهي التي يشكو معظمها القلة والهشاشة والصراعات
السياسوية ولم تفلح حتى في صلب مهامها التنموية والتشاركية ...،بل لم تفلح حتى في
أن تزيل عن نفسها ما يطليها ويغرقها من الأزبال والنفايات؟؟.وكذلك القطاع الخاص
الذي يريد له القانون بأن يحترم مبادىء المرفق العمومي فيسمح لجميع الطبقات بأن
تلجه وتستفيد من خدماته وأنى لقدراتها الشرائية ذلك،بل ويساهم القطاع في جعل فضاءاته
الأنيقة أوراشا وطنية مفتوحة لمحو الأمية وبالمجان؟؟.
ومن
دهاء أو خبث العصابات واللوبيات أن بدأت في أجرأة بعض مقتضيات هذا القانون المشؤوم
وهو في مسودته ولم يصادق عليه بعد في البرلمان،كفرنسة المواد العلمية مثلا،مما
سيخلق إشكالات حقيقية في التراجع عما سيعتبرونه مكتسبا واقعيا حتى لو عدل عنه
القانون؟؟.أضف إلى ذلك مسألة المجانية التي أثارت اهتمام الناس،وبخدمة إعلاموية
متقونة جعلت كل المرافعات تسير ضدها،في
تناس شبه تام لمسألة أخطر وهي مسألة الهوية واللغة،حتى إذا مررت هذه الأخيرة،سهل
التراجع عن الأولى وهو أمر متوقع ويفرض نفسه؟؟.ويبقى القانون بعيدا عن التقنين لحل
المشاكل الحقيقية للمدرسة المغربية ورجال التعليم وأبناء المغاربة،مشاكل روتينية
يتوهم القانون أنها سيقضي عليها في أجل بين 3 و6 سنوات،في حين أنها استنزفت وقضت
على أعمار كل محاولات الإصلاح دون أن ترى منها غير التوسع والاستفحال،الضعف
المعرفي والتراجع القيمي والضحل المهاري...تأهيل الفضاء ومحاربة الاكتظاظ والعنف
والغش والهدر المدرسي..التكوين والتكوين المستمر والتعاقد والتقاعد والضرائب حتى
على المعاشات...الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة والإبداع والإقناع والإمتاع...؟؟.
وغيره
ولا شك كثير مما لن يكون بغير رؤية وسياسة تعليمية،من نحن وماذا نريد
وكيف؟؟،الأستاذ عندنا مرب أم مجرد أجير في "الموقف" على باب
الله؟،التلميذ عندنا مواطن صالح مصلح أم مجرد قطاع غيار مستقبلي لشركات جشعة وطنية
وعابرة للقارات،أوعنصر مجاني و وقود رخيص لعصابات التطرف والإرهاب والمخدرات والهجرة
والدعارة؟،المؤسسات التعليمية عندنا فضاءات مفعومة بالحيوية والبناء المعرفي وقيم الحياة
أم مجرد ثكنات للحجز اليومي والتوتر الدائم والانفجار؟؟،المقاربة الحقوقية
والممارسة الديمقراطية والمقاربة التنموية والتشاركية جسور تواصل معبد وتلاقح مثمر
بين المدرسة والمجتمع،أم تحيا في أحدهما بقدر ما تموت في الآخر؟؟،لك الله يا وطني وشعبك
بعيد عن شأنه،والعديد من قادته ينتخبهم الشعب جهارا نهارا ويشتغلون ليلا قهارا عند
فرنسا وصندوق النقد الدولي والدولة العميقة،التي كانت وستظل مخزنا متسلطا على الدوام،ليس
بقانون الإطار فحسب،بل بقانون اللاتركيز وقانون الأمازيغية..،وكل القوانين التي تمرر
اليوم خلسة وبشكل انفرادي،وهي لا تؤسس لغير فقدان البوصلة وشرعنة الهشاشة وفرض الإذعان؟؟.
الحبيب عكي