حبل الرياضة متين..حبل الرياضة قصير؟؟
لا أدري في الحقيقة،ما هي العلاقة بين الرياضة والحبل،حتى أنهم قالوا رياضة
الحبل وقالوا حبل الرياضة،صحيح أن الحبال أشكال وألوان،ولها في الحياة استعمالات
متعددة من أكثرها خيرية إلى أكثرها شرية، وربما كذلك الرياضة أشكال وألوان،بدء من
رياضة الحبل على تنوعها،مثلا: نط بالحبل وعلى الحبل،وتسلق الحبل ذاته و به تسلق
الجبل،شد الحبل وتجاذب الحبل و به قيادة الجمل،وإحكام قيد الحبل أو فك عقدة
الحبل،والصعود أو النزول بواسطة الحبل،سلاليم بالحبال وأفاعي وجسور بالحبال
والنبال،ألوية الزوارق والتواء الشبكات،والحمل والرفع والرمي والشنق والإنقاذ..،كلها
قد تكون بالحبل؟؟،و ربما كذلك الرياضات يمكنها أن تلعب كل هذه الأدوار وتؤدي هذه
المهام وتفتل كما تفتل الحبال،وبالتالي فهي لا تختلف شيئا عن الحبال وفيها ما فيها مما يمكن به صناعة
الأبطال لعبور الصحاري وصعود التلال والجبال،أوبالعكس تزييف الوعي وتعميق الوهم لتسطيح
الأعمال ولقهر الأجيال؟؟.
وتبقى الرياضة بكل أنواعها الفكرية والجسدية،و كل أشكالها الفردية
والجماعية،وكل ألوانها الترفيهية والتنافسية،تعتبر عند الشعوب المتقدمة،من مؤشرات
القوة والحيوية،ومن عوامل الصحة والوقاية،واستثمارا حقيقيا في تنمية الإنسان،وتعليمه
حاجته من التقنيات والمهارات،وإدماجه وتنشئته على الروح الوطنية المعطاءة وعلى
الروح الرياضية المتسامحة،وعلى القيم الجماعية والإنسانية الخلاقة،وذلك بانتظامه
في أندية وجمعيات وعصب واتحادات،طالما دأبت على ممارسة العديد من التداريب
والمباريات والتكوينات والاستعراضات والدوريات والبطولات..،يبرز فيها الممارسون ما
تعلموه وحذقوه من تقنيات و مهارات،ويحصد فيها النجوم ما استحقوه من رتب وميداليات،في
مختلف التظاهرات المحلية والوطنية والقومية والدولية،مما يرفع بأسماء وأعلام
بلدانهم وأمتهم بين الأمم،ويعطي الآخرين عندهم صورة عن مكانة الإنسان؟؟.
أنظروا مثلا إلى شعوب آسيا الوسطى ونمورها بمختلف الفئات وفي مختلف الأعمار،أنظروا
إليهم في إطار الرياضة البانية في صفوف الجماهير،كيف يملؤون الطرقات والساحات
والشواطىء كل صباح وهم ينعشون أنفسهم وصحتهم وحياتهم الجماعية وروحهم القومية بممارسة
مختلف الرياضات الجماعية بكل فرح و سرور ونشاط وبهجة،وهم هم من ملؤوا مختلف المعابد
والقاعات بممارسة مختلف فنون الحكمة واللياقة و الرشاقة وفنون حرب الدفاع عن النفس
عند الحاجة وعن الوطن إذا جد الجد،يمارسون هذا كشعوب يقظة ونشيطة في الحواضر
والبوادي ووسط الأدغال في الغابات وفوق قمم الجبال في الأعالي؟؟،أو حتى انظروا أيضا
في إطار الرياضة النجومية إلى شباب أمريكا كيف يسيطرون بالمطلق على منافسات العدو
الريفي في الألعاب الأولمبية ويكادون يحتكرون كل ميداليات مسافاتها،في حين أن
شبابنا بالكاد يكادون يتأهلون على رؤوس الأصابع ولا يلعبون في هذه التظاهرات
الدولية غير دور السياح الأجانب والمتعب من الأرانب؟؟، وانظروا أيضا إلى ناشئة
الصين وروسيا من الأطفال واليافعين وكيف ورغم حداثة سنهم،يبهرون العالم في
المسابقات الدولية للسباحة والجمباز والتنيس والكولف وغيرها من الرياضات الرشيقة
والأنيقة،بينما أترابهم ونظراؤهم عندنا في العالم العربي لا يزالون يلعبون ويتمرغون
في التراب ويسبحون في المياه الراكدة والبرك الآسنة؟؟؟.
ترى أي حبل للرياضة عندنا،ما لونها وطعمها ورائحتها،ما شكلها وما حجمها،ما
خططها وما برامجها،كم منا يمارسها،وأية رياضة يمارس ومتى ومع من وكيف وأين؟؟،أين
الرياضة في أحيائنا ومداشرنا،في مدارسنا وجامعتنا،في ملاعبنا وساحاتنا،كم عدد
فضاءاتها وكيف حال قاعاتها؟؟،ما مسار الرياضيين قبل بروزهم و وصولهم وكم منهم من
بين الآلاف يصل،وفي أية ظروف يمارسون وكم يكابدون،وما مصيرهم السيئ والكارثي بعد
اعتزالهم الشخصي أوالاضطراري حيث تنطفىء عنهم الأضواء وتتنكر لهم الفرق و الأوصياء
والمعجبين والأوفياء،فهذا صاحب مقهى أوسائق سيارة أجرة،وهذا حارس ليلي أو بواب
عمارة،وهذا منظف مرافق صحية أو موسمي التجارة؟؟،جواب عام قد يكون محل اتفاق وهو أن
الرياضة عندنا لا تزال دون الحاجيات وحتى دون الامكانيات فكيف بالطموحات وصناعة الصحة
والعافية والنجاح؟؟،الرياضة عندنا لا تزال متخلفة ومنحصرة وشيء ثانوي لا يمارسه
إلا قلة قليلة من المحظوظين؟؟،الرياضة عند البعض في مظهر آخر، مجال للسمسرة والريع
والفساد والمصالح الانتخابوية الضيقة،فهذا المرشح يبني ملعبا في الحي ليتحرك في
حملته شبابه وتصوت عليه ساكنته،وهذا يدعم فريق الحي ويحتضنه ليستثمر في نجاحه ويسخر
نجومه في حشد الرأي العام أو يسخر منهم بتفويت صفقاته عليهم بالكمال والتمام،وهذا..وهذا..وهذا..عصابات
متكاملة الأدوار لا تعمل إلا على أن يظل الأمر كله في الغالب مأساة تبذير المال
العام وملهاة نتلهى بها عن أهم القضايا؟؟.
لا أدري إلى أي حد يتساءل مسؤولي الجامعات الرياضية عندنا،لماذا بعض الدول
الأخرى تسيطر دائما على بعض المنافسات والتخصصات الرياضية في المنافسات الدولية،(كوبا
والملاكمة...أثيوبيا والعدو الريفي..)كيف حال تلك التخصصات الرياضية في بلدانهم
وكيف هي بالمقابل عندنا،أين نحن من السياسات الرياضية المنتجة رؤية وخططا وبرامج
ومؤشرات؟؟،لماذا مثلا نبتعد عن الرياضة القاعدية التي تبني لتستحوذ عليها وعلى
إمكانياتها رياضة التظاهرات النجومية والبطولات الفرجوية المكلفة على أهميتها،ولكنها
لا تزال بعيدة على أن تنتج لذاتها أو للأمة شيء مما يستحق الذكر ويبعث على الفخر،رياضتنا
في الغالب لا زالت تفتقر فيما تفتقر إليه إلى الرؤية والرسالة،والبنيات
والإمكانيات،والحكامة والمحاسبة..،لذا فهي في الغالب مما يساهم في إلهاء الشعب عن
قضايا التنمية الحقيقية والمعضلات التربوية العالقة والأزمات الاجتماعية المستفحلة؟؟،فإلى
متى سنظل نتغافل بالهستيريا الرياضية عن واقعنا المتردي،وفي كل حين تقذفنا نهاية
اللعبة في دوامتها القوية وهاويتها السحيقة؟؟،وإلى متى سيظل يسخر المسخرون كل
الإمكانيات والوسائل من أجل ذلك،وسائل إعلام مأجورة وصحافة صفراء بائرة،ومذيعين ومعلقين
ومحللين بارعين في وضع القضايا كل القضايا خارج الملف؟؟،ناهيك عن أولئك الجيوش
الجرارة التي تساهم في تسويق الوهم وبيع الزيف إلى جماهير غفيرة من الأمة لا
تستفيق منها إلا على هول الصدمات وخسارة البطولات تلو البطولات والرهانات تلو
الرهانات والمواعيد التنموية الوطنية تلو المواعيد،فهل ينبغي...وهل ينبغي...وهل
ينبغي...وإلى متى ينبغي،ألا فاتقوا الله في هذه الشعوب العربية المسكينة،صحيح إن
حبل الرياضة متين ربما ولا أمتن.. ولكنه بالتأكيد حبل قصير وقاصر ولا أقصر؟؟؟.
الحبيب عكي